لن يبلغَ الواحدُ منَّا إنسانَهُ ما لم يَعِ إنْسَان غيره. أتصوَّر أنَّ
هذا الشِّعار جيِّدٌ إلى حدِّ أن يخففَ عنَّا وِزْر ما تأويهِ لنا الأيَّام من
مشاهدات تُضاف في نهايتِها إلى الذَّاكرة المتهالكة بما حَوَتْ. الحسنةُ في كل
حشدٍ جديد هو الإضافة التِي تثمر مع الأيَّام إنسانًا أنضجَ عن ذِي قبل. بوضوحٍ
أكثر، الإنسانُ الذِي لن يستطيعَ أن يحرزَ تقدُّمًا أكثر من تحقيقِ ذاتٍ تصلُ إلى
وعيِ أنَّهُ إنسان. فالإنسانُ مجبولٌ على أن يتأرجحَ بين دفَّتي العقل والقلب، ومن
ينسَى إنسانَهُ يميلُ لدفَّةٍ تحيلهُ عن القرار مطمئنًا ما دامَ يحيَا. على
الترجيحِ السَّابق، يمكن البتّ في حفظِ الإنسان إنسانهُ. قد يبدو الحديث مُسرفًا
في توصيف ماهية الإنسَان، لكنَّهُ الإنسان يأبَى أن يُعَرَّف!
يبدأُ الإنسانُ يومَهُ مُنشرحَ الصَّدرِ -افتراضًا-؛ فالشمسُ ألقَت عليهِ
نورًا، فبددتْ كل ظلامٍ غرَّى خارجَهُ عدا الدَّاخل الذي لا يدركهُ سوادُ الليل.
مَضَى الإنسانُ يسعى كما يفعلُ كل نهارٍ حتَّى العشيَّة. ما زالَ يمضِي دون وجهةٍ
تعرِّفُهُ بإنسانهِ، فهو لا يكترثُ الآن لشيءٍ غير إيجاد نفسهِ في مادَّة أو
حيِّزٍ في مكانٍ ما من هذا العَالم ليكون شيئًا!
بلا شك، لم يكن مشيُهُ في الفسيحةِ مُنبسطًا دون أفرادٍ يخطُّون الشوارع
والممراتِ بأرجلٍ تتباينُ سرعتها. يمشي الإنسان وداخلهُ يرتفعُ حتى يقارعَ أعلى
رأسه فيغشِّي عليه رؤية الإنسان الآخر. الآخر هنا المَعمِي عن عينكَ المَنسي هو
مَن سيحُقق تحقُّق ذاتك إن أدركتَ إنسانهُ.
الثامن عشر من تشرين الأول 2016
الخُوْض